ads980-90 after header
الإشهار 1

بين خلق الانسان و نشأة البشرية

الإشهار 2

العرائش أنفو

بين خلق الانسان و نشأة البشرية

تمهيد
تهدف هذه المساهمة، على هامش كشوفات الاركيولوجيا والجدال الحاص حول أصل المغاربة، محاورة الذات التي لم تتحرر بعد من الموروث الغيبي والدغم. و البحث عن طرق القوانين العقلية و البحوث العلمية لشق الطريق التي توصلنا الى مرتع التقدم و التحرر، كيفما كان انتسابنا الثقافي قديما و حديثا. لأن المطلوب هو اعتماد العقل لتجاوز الخرافات و الخطاب البالي. و المنظورات التي تحول و نهضتنا. و حتي لا يحصل ما حصل للعالم الإيطالي الكبير غاليلي الذي أرغمته الكنيسة التخلي عن موقفه الذي توصل الية عبر البحث و التجربة العلمية كون الأرض و كذا باقي الكواكب، تدور حول الشمس كما توصل اليه من قبله العالم البولوني كوبرنيك. هذه النظرية العلمية التي كانت من أهم البحوث العلمية التي أحدثت ثورة عميقة على المستوى الفلسفي و الفكري عامة و التي منها انطلاقة عصر الأنوار الغربي. لقد اضطر غاليلي أمام المحكمة الدينية أن يتراجع عن موقفة عام 1642 حتى لا تكون عظامه حطبا لنار الدغم الكنيسي. كتب اكتشافه العلمي و هو يقول “و رغم ذلك فأنها تدور ” يعني بها دورة الأرض حول الشمس. من هذا يفهم أنه من الصعب بمكان محاجات الناس لما يكون الدغم هو المخيم على العقول. مشكلتنا الكبرى أننا نعيش في مجتمعات لا زال الوعي العام المهيمن على عليها بدائيا غيبا. و كل من حاول الانفلات من قبضة كابوس العقلية البدائية المغتالة للعقل أجهض اجتهاده ان لم يتم اغتياله.
سنحاول في هذه الموضوعة كيفية تناول الموضوع المطروح لا الدخول في تفاصيله. لأن الدخول في التفاصيل يتطلب بحثا فائضا، لا جهد لنا و لا قدرة لعالته راهنا. لذا أول ما خطر بالبال حين تناول الموضوع المطروح، تلك المناظرة القيمة التي حصلت في اشبيلية بين عملاقين من عمالقة الفكر في ثقافتنا العربية الإسلامية و هما ابن رشد و ابن عربي. كان ابن عربي أنداك في السابعة عشر من العمر، لكن فقاهته و نضج فكره الثاقب كانت قد بانت بوادره. حيث للتبحر في علم الفلسفة قصد ابن رشد، الذي كان عالما و قاضيا و فيلسوفا ذا صيت و في سن الرجولة. دار الحديث و طال عن مختلف الأمور العقائدية و الفقهية و الفلسفية و الغريب أن ابن رشد كان يتوصل الى خلاصاته عن طريق العقل و كان ابن عربي يتوصل لنفس الخلاصات أو ما يجاورها عن طريق القلب أي التخيل الباطني. و الحقيقة أن الشيخ الأكبر ابن عربي و المعلم الأكبر بعد أرسطو ابن رشد و صلا في نهاية المطاف أن الحقيقة افتراضية يمكن معالجتها عن طريق العقل و عن طريق القلب أي الايمان الروحي. فابن رشد كان ينظر الى وحدة الوجود عن طريق العقل الهرمسي و ابن عربي عن طريق وحدانية الوجود الروحي و هي نظرية تختلف عن الصوفية الكلاسيكية و ولاية الامام الشيعية.
ثاني ما خطر ببالي و أنا افاتح الموضوع، هو حال البشرية في زمننا الحاضر. فظر لي أن العالم الإسلامي الذي نحن نخوض في بحر ثقافته يوازي ربع البشرية، و العالم المسيحي ربعا آخر و باقي المعتقدات الروحية، التي رغم تنوعها و اختلافها و التي تلتف في مجملها حول الغنوصية، تعمر الربع الثالث و الربع الأخير يشكله باقي البشر الذين الى هذا الحد أو ذاك يدافعون عن حرية الاعتقاد و ان كانت لهم عقيدة خاصة أم لا. حقيقة يلزم أخدها بعين الاعتبار، و الحقيقة الأخرى أن مجتمعاتنا العربية الإسلامية لا زالت تؤثر عليها المعتقدات المتأخرة للقرون الوسطي، بعيدة كل البعد عن فراسة ابن عربي و ابن رشد الذي أحرقت كتبه و اعتل و نفي، و عن غاليلي و ديكارت و غيرهما ممن نهضوا بالفكر المستنير. هل تأخر وعي مجتمعاتنا يعفينا البحث العلمي و احكام القوانين العقلية؟ طبعا لا. لكن العاقل هو من يحتاط كما توصل اليه المقتحم سبينوزا في كبره و الذي كان قد واجه بشكل منطقي صدامي هو في سن مبكر نظرية الشعب المختار عند اليهود. اتهم سبينوزا بالزندة، حوكم و أقسي ثم طورد من قبل رجال الدين. فلولا عناده و تشبته بسلاح العقل الديكارتي لانتحر فكريا و ربما جسديا ان لم يغتلوه. قال لما تقدم به العمر، ربما كان علي استعما صيغا أخرى لمواجهة الكهنوت. لم يقل ليتني لم أقدم على مواجهة الكهنوت، بل قال كان يمكن اختار طريقا آخرا لا يوصلني لما تحملته من مكابدة. لكن هل يختار الانسان سلاحه لما يرمي بنفسه في خضم المعركة؟ و هو ما يحصل لدعاة العقل في محيطنا الثقافي و الفكري المتردي.

1 – خلق الانسان
هناك فرق بين خلق الانسان و نشأة الإنسانية كما سنرى. فالمنطلق الأول أي خلق الانسان يعتمد على علم التاريخ المقارن للديانات و المعتقدات. المنطلق الثاني المتعلق بنشأة الإنسانية مرجعة علم الحفريات والأنثروبولوجيا. و طبعا سواء عند معالجة بداية الخليقة أو نشأة الإنسانية تلتحم كل العلوم و المطلوب هو عدم تكريسها أي الأبحاث العلمية لصالح أيدولوجية معينة، كما يحدث غالبا. المعروف و المحقق أن الإسلام لم ينفي ما جاءت به الكتب السماوية التي سبقته و التي هي أساسا شعائر و معتقدات كانت رائجة عند الكلدانيين و البابليين و الأشوريين و حكماء مصر بهذا الشكل أو ذاك. الا أن التوراة و الإنجيل و غيرها من الصحف المقدسة محوروها بشكل دقيق مرجحه القدرة الإلهية في خلق البشرية عن طريق خلق آدم ثم حواء. هذا ما خص وحدانية واجد الوجود و ألأزل و القيامة و الجنة و النار و خاصة في الموضوع الذي يهمنا، صحف الأولين أي صحف إبراهيم و موسى بالذات. و نحن نعلم أنه لا إبراهيم و لا موسي و لا غيرهم من لأنبياء و الرسل كتب شيئا بنفسه. الأحبار صاغوا حسب اجتهاداتهم، كما صاغ الشيخين البخاري و مسلم أو من تكلم باسمهما، ما ساغا من أحاديث الرسول الكريم حسب اجتهادهم و إمكانية معارفهم. و الخطأ خطأ المتأخرين الذين لم يطوروا فهمهم و قدراتهم المعرفية للوصول الى استنتاجات متقدمة ذوون لبلورة و عقلنة العقيدة الروحية عند المؤمنين.
ما نريد قوله أن الآيات القرآنية جاءت بما تلائم و إمكانية الفهم المتوفر لدى القوم الذين بعث فيهم النبي. حيث خاطبهم بلغتهم و بالصور و المفاهيم التي يمكنهم ادراكها. بالنسبة ليهود و نصارى يثرب كانوا على بينة الى هذا الحد أو ذاك من أخبار و أ أحاديث الأولين. من خلق آدم و الجنة و النار و قصص الرسل و الأنبياء و لم يكن ما جاءهم به الرسول بجديدة لذا حاجوه و ناضروه و دخلوا معه في جدال عقائدي انتهي في السنة الثانية للهجرة بالصراع معهم. خلافا لذلك لم تصل المباهلة مع نصارى نجران الى عداوة لأن الإسلام و ان يرفض الثليث يقر بقدسية المسيح كما جاءت به الآية الكريمة “و نفخنا فيه من روحنا”. و هذا يتماشى مع قدرة خالق الوجود حيث يقول “كن فيكون”، كما جاءت به الكتب السماوية.
لذا يصعب في غياب الاحتكام الى القوانين العقلية و البحوث العلمية، مراجعة النظرة العتيقة التي تصور الأشياء تصويرا بدائيا و التي تتجاوب مع وعي بدائي الموجود في فترة تاريخية معينة عند القوم الذي بعث فيهم الداعية لوحدانية اللهن نبيا أو رسولا أو حكيما. هذه التصورات التي هي بمثابة غشاء و ضباب فكري يتضح و يذوب مع نور العقل و تفتحه. لكن في غياب إمكانية احكام القوانين العقلية في فهم الوجود و ما يحيط به من معتقدات وجب الدعوة الى التسامح و حرية الاعتقاد. لقد كرست الباحثة الرومانية الأصل ميرسيا الياد. و التي تبحرت في معرفة المقدس و الغير المقدس عند المجتمعات البدائية و المتحضرة، لتخلص كون المعتقد و المقدس موجود بشكل دائم في المجتمعات بدائية كانت أم حديثة و يعد مرجعية أساسية في ديناميتها الخاصة و توازنها سواء على المستوى الفردي أو الجماعي. هذا يعني الإقرار بوجود المقدس و ضرورة احترامه، الا أن هذا المقدس يتطور بتطور المجتمعات. فمثلا في الزمان الأول للمعتقدات السماوية، كان السحر يندمج بالمقدس لحد أنه كان جزء هام منه، مما جعل الأنبياء يضطرون القيام بمعجزات. فمثلا موسى لجأ لمواجهة السحرة من كهان مصر الفرعونية ب استعمال معجزات عدة. منها ما يمكن شرحه عقليا اليوم و منها ما زال لم يدركه التصور العقلي أو أنه من صنع الخيال. كما أن عيسى كان عليه مواجهة الطب الذي انتشر في بادية الشام و منها فلسطين فكانت له معجزات لها علاقة بالطب. أما أيام الرسول فكان العرب يتباهون بقوة اللفظ و أصبح الشعر فخرهم، فحاجاهم بمعجزة القرآن الذي يعد المعجزة الوحيدة للنبي. هذا يعني أن المقدس يتطور مع تطور المجتمع و من حقبة زمنية لأخرى و معه الطقوس و الأحكام الخاصة بها.
معاجلة المقدس في الإسلام لا يعني رفضه كمدس في جوهره، بل عقلانية التعامل مع طقوسه و تطوير أحكامه التي كانت تتجاوب في عهد البعث و تجوزت مع الحقب و خاصة الحديثة منها . فمثلا الديانات السماوية تقول أن الله لما خلق آدام و دريته كانت العقيدة صافية سليمة، لكن في ما بعد حورتها الشعوب و الأمم المتوالية و منه تم بعث الأنبياء و الرسل لتصحيح الدين القويم. و الإسلام يدخل هذا التصحيح الذي مع انتهاء النبوة و الرسالة، واكبه اجتهاد العلماء و الفقهاء و الفلاسفة. تطورا رائعا سارت فيه الحضارة العربية الإسلامية قبل أن يصيبها النكوص و الإحباط لقرون. نحن اذن أمام نهضة علمية عقلية لمعالجة أمهات القضايا التي تواجهنا لتجاوز الفهم الخرافي و المشوه للعقيدة و أحكامها.

2 – نشأة البشرية
لما عالجت بداية ثمانينات القرن الفائت مسألة تطور البشرية ضمن موضوعة الدولة و المجتمع، نشر الجزء الخاص منها بالنشأة البشرية عامة و بالمغرب خاصة، في كتاب “جدلية الدولة و المجتمع بالمغرب” حيث نقتبس تلخيصنا منه. هذا مع الإشارة أنه عند معالجة نشأة البشرية أنداك كانت العقول منفتحة لحد أني تماشيا مع المادية الجدلية و التاريخية، وضعت كمرجع كتاب “أصل العائلة” لأنجلز و الذي جسد فيه النظرية الداروينية للتطور البشري. و الهام في الأمرأنها تتجاوب الى حد ها مع فلسفة ابن طفيل بخصوص تطور النشأة البشرية كما صنفها في كتابه الفلسفي “حي بن يقضان”. علما أن ابن سينا و الشهرستاني كتب كل منهما رسالته في نفس الموضوع و بنفس العنوان. لم أكن قارنت أنداك ما طرحه علمائنا الأجلاء و ما جاء به العلم الحديث. و الأكيد في هذا، أن تراثنا راكم ارهاصات جد متقدمة في موضوع نشأة البشرية قبل عصر الأنوار و قبل الدروينية و قبل أن تصيبنا النكسة الفكرية و الثقافية. ما معناه أن تراثنا استوعب علوم من سبقوه من الأقوام و زاد عليها من عبقرته قبل أن يأخذه الغرب و يطوره بشكل علمي عقلاني.
في تلك الدراسة تطرقت لما هو معروف و مقبول علميا، كون التجمع البشري وجد في بلاد المغرب مند ملايين السنين حسب ما تؤده مختلف الحفريان أهمها انسان محفر سيدي َعبد الرحمان قرب الدار البيضاء و انسان محفر واد بث و مغارة تافغالت قرب أبركان و تلكمين و الصويرة و سوق الأربعاء و غيرها من المواقع الحفرية و المغارات و الأدوات الحجرية و الرسوم الأثرية. هناك أبحاث تميل كون نشأة التجمع البشري التي أوصلت الإنسانية الى التطور الحالي، كان منبعها بلاد المغرب الكبير، نظرا للحياة الطبيعية الموجودة به، من حرارة دافئة و طقس معتدل و خيرات طبيعية متنوعة و بكثرة. أي كل ما يساعد على الحياة الناعمة ، زيادة على شساعة الأرض و قلة الساكنة. كما أن البحوث الأركولوجية أثبتت أن انسان لعهد نيوديرطال كان موجودا ببلاد المغرب الكبير و كذلك الانسان سابين سبيان، أي الانسان الحالي. و أخيرا ظهر كتاب لباحثة في العهد الحجري تقول أن انسان نيوديرطال، نسبة الى مغارقة اكتشفت بها عظامه في ألمانيا، لم يتم القضاء عليه نتيجة حرب ظاهرية بينه و الانسان الانساني (سبيان سبيان)، انتهت بالانتصار الكاسح لهذا الأخير و انتثار الأول، كما كان رائجا. خلاصة البحث الجديد أن انسان نيودرطال حل به مرض عضل تسبب في انعدم تناسله. و عوض نظرية حرب الإبادة بين النوعين من البشر البدائي، حصل بينهما تواصل و تجانس و لذا هناك جينات لانسان نيودرطال في الانسان الحالي.
بالمغرب تواجد عبر العصور مختلف أنواع البشر البدائي، لحد كما أشرنا اليه يمكن الحديث أن منبع التجمع البشري حصل ببلادنا. و لماذا لا ما دام البحث العلمي يتجه نحو هذا المنحى؟ كما يمكن الإشارة الى ما أكدته الأبحاث أن أجدادنا منذ العهد النيوليتيكي و بداية الاستقرار على ضفاف بحر النيل كانوا ممن اتجه مصر للاستقرار و التمدن. و المعروف أيضا أن هناك عائلات ليبية، الاسم الذي كان يطلقه الاغريق على المغاربة الأقدمون، حكمت الإمبراطورية المصرية. كما حصل نفس الشيء مع الرومان فيما بعد. أشار هيرودوت في تاريخه، القرن الخامس قبل الميلاد، الى وجود رسومات للليبيين بأرض الكنانة. و أنهم كانوا يحسنون الرمي بالنبال و يحملون على رؤوسهم ريش النعام أو النسر. مثلهم مثل الهنود الحمر.
خلاصة القول في هذا الباب أن الحياة بالمغرب قديمة وهذا مطروح للبحث و التنقيب و يهم الإنسانية جمعاء. ما يهمنا نحن اليوم هو كما قال الشاعر العراقي الذي شنقه الكهنوت ” المهم ليس كوننا كنا أول انسان على وجه الأرض ، بل المشكل لماذا نحن في اليوم آخر صف الشعوب؟ كنت منذ عقود و لازلت أجد هناك تشابه طبيعي و تاريخي، في ما يخص مزاج الأنفة و التعصب للوطن بشكل غريب، عند المغاربة و اليابانيين و الإنجليز. و أطرح السؤال ساد اليابان و الانجليز بين الشعوب و بقينا نحن نعاني ويلات التأخر و الاستبداد؟ طبعا الحل في حرية الفكر و عقلنة العلاقات الاجتماعية في اطار الدولة الديمقراطية و اختصار الطريق للوصول اليها بعقلنة المجتمع.
محمد المباركي
16 12.2019

ads after content
الإشهار 3
شاهد أيضا
الإشهار 4
تعليقات الزوار
جاري التحميل ...
الإشهار 5